عنبر رقم ٦
عنبر رقم ٦
«أنا لا أرى أي مبرِّر للسعادة. نعم، لن تكون هناك سجونٌ ودُور مجاذيب، والحقُّ — كما تفضَّلتم بالقول — سوف ينتصر، ولكن جوهر الأمور لن يتغيَّر، وستبقى قوانين الطبيعة كما هي. سيظل الناس يمرضون ويهرمون ويموتون كما هو الآن، ومهما كانت رَوعة الفجر الذي سيُضيء حياتَك، فسوف يضعونك في النهاية في تابوت ويُلقون بك في الحفرة.»
تتكدَّس نُفايات المستشفى في مدخل «عنبر رقم ٦» الواقع في الفناء، وتعمُّ المكانَ رائحةٌ كريهة، وعلى الباب يتمدَّد الحارس «نيكيتا» بوجهه القاسي وحواجبه الكثَّة، وفي الداخل يُقيم خمسة نُزلاء مختلِفو الثقافة والطبقة الاجتماعية، ويُشرف على هذا العنبر الطبيبُ «أندريه يفيميتش» الذي يَئس من إصلاح حال المستشفى، فاتَّجه إلى القراءة في الفلسفة، وبدأت علاقته تتوطَّد ﺑ «إيفان دميتريتش»؛ أحدِ نُزلاء عنبره، وهو شاب مثقَّف مرهَف المشاعر، ينتمي إلى طبقة النبلاء، ولكن سوء أوضاع أسرته ألقى به في غياهب الجنون. في هذه القصة التي تَقطُر ألمًا سنعيش مأساة هؤلاء النُّزلاء ونشعر بآلامهم، ونطَّلِع على الحوارات الفلسفية بين «أندريه» و«إيفان». تُرى إلامَ يَئُول مصير «أندريه» ونُزلائه؟
عن المؤلف
أنطون تشيخوف: طبيبٌ وأحدُ أبرز كُتَّاب الأدب الروسي. صُنِّف ضِمن أفضل الكُتَّاب في زمنه، وخاصةً في كتابة القصة القصيرة والمسرحيات، وذلك في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
وُلد «أنطون بافلوفيتش تشيخوف» عام ١٨٦٠م، وكان ابنًا لتاجر بسيط. عاش حياةً صعبة مع عائلته في أولى سنوات حياته؛ حيث عانوا كثيرًا من ضِيق معيشتهم. أنهى دراسته الثانوية في عام ١٨٧٩م، ثم سافر إلى موسكو ليلتحق بكلية الطب بجامعتها التي تخرَّج فيها عام ١٨٨٤م، وامتهنَ الطبَّ فورَ تخرُّجه ولكن لمدةٍ قصيرة. ظل مقيمًا في موسكو حتى عام ١٨٩٨م، ثم انتقل للعيش بشبه جزيرة القرم بعد تدهوُر حالته الصحية.
بدأت موهبته الأدبية تتبلور منذ بداية دراسته بكلية الطب؛ حيث بدأ كتابة القصص القصيرة والمشاهد المُضحِكة ونشرها في عددٍ من الصحف والمجلات التي كنت تَصدر أسبوعيًّا، ولكنها كانت تُنشَر بأسماءٍ مستعارة أشهرها «أنطوشا تشيخونتي». في تلك الأثناء، كانت روسيا تعاني من تدهور أحوالها وكثرة أزماتها، وخاصةً في أوضاعها السياسية، وانتهجت حكومتُها حينَها سياسة القمع تجاهَ الشعب والتصدِّي لأيِّ آراءٍ معارِضة أو كتابات تحوي في مضامينها نقدًا لسياسةِ الحكم؛ فتركَت هذه الأزمة أثرًا كبيرًا على كتابات «تشيخوف»، ومنذ تلك اللحظة بدأ مسيرتَه الإبداعية في كتابة القصص القصيرة الساخرة الناقدة لأوضاع البلاد، ورسَم خلالها بقلمٍ أدبي مميَّز لوحةً إنسانية لمختلِف النماذج البشرية من جميع الطبقات الاجتماعية وأظهَر معاناتَهم، فجمعت كتاباته بين الكوميديا الساخرة والتراجيديا، وهو ما ميَّز أعماله.
نجح «تشيخوف» خلال مسيرته الأدبية في أن يترك أعمالًا ثقافية عظيمة الأثر في الأدب الروسي، تنوَّعت بين الروايات والقصص القصيرة والمسرحيات، ومن أعماله الروائية والقصصية: «حكايات ملبومينا»، و«في الغسق»، و«أناس عابثون»، و«رجل مجهول»، و«الراهب الأسود»، و«حياتي»، و«المنزل ذو العلِّية»، و«السيدة صاحبة الكلب»، و«العروس». أمَّا أعمالُه المسرحية، فنذكر منها: «النورس»، و«الخال فانيا»، و«الشقيقات الثلاث»، و«بستان الكرز»، و«غابة الشيطان»، وتُرجِمت أعماله إلى لغاتٍ عديدة، ولاقَت شهرةً واسعة داخل موسكو وخارجها.
تُوفِّي «أنطون تشيخوف» في عام ١٩٠٤م عن عمر يناهز أربعة وأربعين عامًا بعد صراعٍ طويل مع مرض السل.