الورقة السادسة.
الورقة السادسة (طلوع الروح)
تشير عقارب الساعة إلى الواحدة بعد منتصف الليل…
مضت ساعتان من بدء الدوام…
ونحن كخلية نحل…
تلك الليلة كانت ليلة عجيبة وغريبة بداخل قسم الحميات…
هذا القسم الذي يضم مرضى الدرن والحمى الشوكية والضنك والملاريا…
القسم الذي يتم تنويم حالات نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) فيه…
غرابة هذه الليلة تكمن في غرابة الموقف…
وغرابة الموقف تكمن في غرابة الأحداث…
مثل باقي الليالي حضرنا للعمل…
واستلمنا المرضى…
وقمنا بإعطائهم علاج الساعة الثانية عشر صباحاً…
وقبلها قمنا بفحص العلامات الحيوية للمرضى وكانت جيدة…
وبعد الانتهاء من إعطاء العلاج…
عُدنا إلى محطة التمريض…
لنجهز للمهمة القادمة…
ونحن نجهز أنفسنا فوجئنا بجرس أحد الغرف يرن…
ذهبنا لنرى الوضع…
إذا بالجرس هو الجرس الخاص بغرف نقص المناعة المكتسبة…
كان بالغرف وعددها ست غرف العديد من المرضى المصابين بالمرض…
وكلهم من الجاليات الإفريقية المقيمة بمكة…
وكان بأحد الغرف مريضين…
أحدهما قام برن الجرس…
حيث أن المريض الآخر دخل في حالة تشنجات…
فطلبنا الطبيب المقيم…
وجاء ليرى الحالة…
ليؤكد أن المريض قد حانت ساعته…
والمريض بوضعية الاحتضار…
فقد تمكن منه المرض…
وحطم أجهزته الداخلية…
فمرض الإيدز يصيب كل اجهزة الجسم بالدمار…
وهو مرض فيروسي ينتقل عن طريق الاتصال الجنسي المباشر…
كما ينتقل عن طريق الدم…
وقد ينتقل عن طريق الأدوات الجراحية الغير معقمة…
ولكن جُل الإصابات تنتج عن الاتصال الجنسي الشاذ…
بالرغم أن الفيروس ضعيف إلا أنه يحطم أجهزة الجسم…
وذلك من خلال تحطيم الجهاز المناعي…
ليغدو الجسم عرضة لأي فيروس أو بكتيريا…
لنعود إلى مريضنا…
قمنا بتوجيه المريض الواعي إلى غرفة أخرى…
وظل المريض المحُتضر بغرفته…
رأيناه يتصبب عرقاً…
وعينان جاحظتان…
ورأينا القديمين وقد ابيضتا…
ونحن نشاهد ونذكر الله…
استمر في النزاع لمدة ساعتين متواصلتين…
حتى اسلمت الروح لباريها…
كان منظر مهيب…
من القدم للرأس…
كل ما انسحبت الروح من جزء يستكن ذلك الجزء…
إلى أن فاضت روحه إلى بارئها…
حتى سكن كل ما فيه من تشنج…
قمنا كعادتنا مع أي وفاة…
غسلنها…
ووضعنا القطن بمناطق الإفرازات…
ومن ثم تكفينه بالشرشف الأبيض…
وبعد ساعتين تم تسليمه إلى ثلاجة الموتى…
ليتم بعد ذلك تسليمه إلى الطب الوقائي…
هم من سيقومون بدفنه…
بعيداً عن مقابرنا العادية…
حيث سيدفن بمقابر خاصة بمثل هذه الحالات وبطريقة خاصة…
خوفاً من العدوى وانتقالها…
وهنا تنتهي ورقتي السادسة…
نحن نعلم بأن الموت والحياة بيد رب العالمين…
كما نعلم بأن الجنة لا ندخلها إلا برحمته…
ولكن ماذا أعددنا لحياتنا البرزخية…
وكيف سنواجه منكر ونكير…
تأمل حالك فالكل هالك…
ودمتم سالمين،،،،