الورقة الخامسة.

الورقة الخامسة (دموع على الخد)

في هذه الورقة سأكتب اليوم عن قصتي…

وقصة ذلك المريض الكبير بالسن…

الذي كان تحت رعايتي الطبية بقسم العناية المركزة…

وها أنا ذا ألتقيه بقسم الباطنة…

بعد أن تم نقل خدماتي إلى قسم الباطنة…

وذلك ضمن العمل التدويري الغير مفيد…

ولأني قادم من العناية تم تسليمي حالات العناية المتوسطة…

وكانت عبارة عن غرفة تقع بأول قسم الباطنة…

وكان لدي ثلاث حالات…

كان العمل بالعناية عمل كفريق واحد…

فكنا نستمتع بالعمل…

وهنا بالباطنة كل مين ايدو إلو على قول أخواننا السوريين…

فتجد الاهتمام بالمريض منعدم…

فكل لاهٍ بحالته ولا يدري عن غيره…

وقد يجد الممرض نفسه محاطاً بعدد يفوق قدرته العملية…

فهناك من يستلم أكثر من خمس حالات…

وأقلنا كان يستلم ثلاث حالات مثلي…

تخيلوا معي ثلاث حالات حرجة…

حالة تعاني من انسداد رئوي مزمن مع فشل بالجهاز التنفسي…

وحالة تعاني من جلطة بالدماغ…

والأخيرة حالة ارتفاع بضغط الدم…

كنّا نعاني كثيراً…

فعدد المرضى كبير…

وعدد الفنيين قليل…

خرجت من غرفتي متجهاً إلى محطة التمريض…

وبينما كنت أسير بالممر…

سمعت من يناديني…

فوزي…

يا فوزي…

فعدت إلى الوراء…

وألتفت لمصدر الصوت…

فإذا به العم عبدالفتاح…

رجل كبير بالسن…

يعاني من أثر جلطة دماغية…

أصابته بنوع ما من الشلل…

حيث أصبح لا يقدر على تحريك يده اليمنى…

كان مريضاً بالعناية…

وتم نقله إلى الباطنة…

قبل ثلاث ايام من نقلي لهذا القسم…

فقلت له:

عم عبدالفتاح كيف حالك…

فقال:

الحمدلله…

يا ولدي أنا جيعان…

والمسؤول عن حالتي ما يدري عني…

فقلت له :

ابشر يا عم عبدالفتاح…

فقمت بإطعامه…

وبينما أطعمه لمحت الدمع بعينيه…

وكان مع كل لقمة أعطيها له يدعو لي…

وأرى تلك الدمعة وقد غادرت محاجرها…

وكنت أمسح فمه بعد كل لقمة وامسح معها تلك الدمعة…

فسالته:

عم عبدالفتاح منذ متى وأنت لم تأكل؟

فأجابني:

يا ولدي هنا الممرضين والممرضات ما يهتموا بي مثل ما كنتم بالعناية…

تخيل من الساعة ست الفجر تناولت وجبة الافطار وعليها إلى الآن…

سالته:

ما اشوف عندك زوار عم عبدالفتاح ليش…

وهنا وكأني نكأت له جرحاً كان يحاول ينساه…

وبدمع منهمر قال لي:

يا ولدي أنا عندي أبناء ولكن من يوم تنومت ما شفت أحد فيهم…

قول البنات معذورات فهن تحت حكم أزواجهن…

ولكن عتبي على أبنائي…

يا ولدي كل ما كبر الانسان بالسن يحتاج يشوف أبنائه حوله…

ويحتاج أن يشعر بحنانهم…

الله يحفظك يا ولدي ويارب يرزقك عيال تبرك…

آه…

كم من شخص يتمنى أن يكون والديه على قيد الحياة…

ليقدم لهم جزء بسيط مما قدموه له…

وهناك من أبويه يرتجون من الله أن يحن قلبه عليهم…

قلوب تحجرت…

وتبرت من انسانيتها…

وآباء بكت…

من قسوتها وأنانيتها…

والدنيا سلف ودين…

وكما تدين تدان…

فاحرص على برهما…

وربي يرزقك بر أبنائك…

ودمتم سالمين،،،