الورقة (٢٤) الإخلاء الطبي الجوي

الحياة مليئة بالتجارب…

ومنها تجارب سعيدة…

ومنها تجارب حزينة…

وكل ثانية تمر علينا نتعلم بها الجديد…

وهكذا هي مهنة التمريض…

تكتشف كل يومٍ معها الجديد…

طُلب مني تحويل حالة من المستشفى…

إلى الإخلاء الطبي بجدة…

الحالة تابعة لممرضة بقسم الباطنية…

وليس لي علاقة تمريضية بالمريض…

ومع ذلك تم رفض طلبي من قبل مشرفة التمريض بأن أظل لتغطية الممرضة المسؤولة عن الحالة لتذهب هي مع الحالة لعلمها بالحالة وما تم تقديمه لها ولكن كالعادة الأمور تتم بطريقة غريبة…

ذهبت مع الحالة وكان بصحبتي متدرب…

وكانت سيارة الإسعاف من حسن حظي جديدة…

فقد كانت جميع سيارات الاسعاف بالمستشفى متهالكة ومعظمها له أكثر من عشر سنوات…

صعدت إلى جانب المريض وبجانبي المتدرب…

فوجدني أسجل بورقة عندي بعض الملاحظات…

سألني عن ما اكتب…

فقلت له عندما نصل ستعرف…

وتحرك الإسعاف بنا…

وموعد وصولنا كان من المفترض الساعة السادسة مساءً…

عبرت من الكبينة الخلفية إلى المقعد بجوار السائق…

أخبرته بأنه يجب أن نصل إلى المطار قبل الساعة السادسة مساءً…

فقال لي لا تطلق سنصل بإذن الله قبلها…

وانهمكت أقرأ في ملف المريض وأدون بالورقة التي معي…

سألني السائق… ماذا تفعل؟

أجبته بأنني أُذاكر فأمامي اختبار…

ضحك السائق وضحكت…

ومضينا بطريقنا…

أنا أقرأ والسائق يغني…

وبين اللحظة والأخرى اذهب لكبينة المريض لمتابعته ومن ثم العودة للملف…

وصلنا جدة…

وطائرة الإخلاء مازالت بالسماء تحاول الهبوط…

وصلنا مع هبوط الطائرة…

تفاجأ المتدرب بدخول ممرضة بريطانية الجنسية وهي الممرضة المكلفة ضمن فريق الإخلاء الجوي.

دخلت الإسعاف وأغلقت الباب…

وفتحت التحقيق…

تفحصت المريض مثلما تفحصته عند نقله…

فسألتني عن تاريخ وضع القسطرة الوريدية…

وعن تاريخ وضع الأنبوبة المعدية…

وعن تاريخ آخر أشعة…

وعن آخر التحاليل…

وعن الأشعة…

وبعدها سألتني عن تشخيص الحالة…

وأخيراً سألتني عن المستشفى المحولة…

فأجبتها عن كل أسئلتها وكانت باللغة الإنجليزية…

وعندما قلت لها أنني قادم من مستشفى الملك فيصل بمكة أصابتها الدهشة…

فقالت لي مستحيل، فنحن عادة ننتظر ساعة إلى ساعة ونصف حتي يصل اسعاف مستشفاكم…

ضحكتُ وقلت لها معنا سيارة اسعاف جديدة…

تبسمت وقالت ليس هذا فحسب فمن يأتي مع الحالة لا يعرف عنها شيئاً…

وسألتني هل انت من تقوم على خدمة الحالة؟

فأجبتها بالنفي فقالت إذاً كيف أنت ملم بالحالة…

فقلت لها لقدر قرأت الملف الطبي طيلة الطريق لعلمي المسبق بما سيحصل عند الوصول…

فقالت لي هل سبق لك نقلت حالة للإخلاء؟

فقلت لها هذه أول حالة انقلها للإخلاء…

فقالت لي ما هي جنسيتك؟

فقلت لها وكلي فخر سعودي من أبناء الوطن…

فقالت أنت تستحق تعمل معنا بالإخلاء الطبي…

فتبسمت وقلت يا ليت…

الاتقان بالعمل…

هو ما يحثنا عليه ديننا الحنيف…

فعندما تتقن عملك سوف يرتقي مجتمعك…

ستجد الرقي بكل مكان…

خدماتٌ تُقدم بشكل راقٍ…

متلقي الخدمة سيشعرون بالسعادة…

وأنت أيضاً ستشعر بالفخر والسعادة…

لأنك قدمت عمل مُتقن…

فالعمل الذي تقدمه يمثلك أنت…

ولا يمثل غيرك…

فعندما تقدم خدمات متقنة…

سيتم طلبك بالاسم لإنجازها…

فكن متقن لما تعمل من خلال الاطلاع…

أقرأ بمجالك وتعلم من السابقين…

واستغل مهاراتك وطوّر أدائك…

ودمتم طيبين,,,